- علي العزاويمشرف
- علم الدوله :
الجنس :
عدد المساهمات : 52
عدد المواضيع : 165
السٌّمعَة( عدد شكر العضو ) : 0
تاريخ التسجيل : 20/09/2011
من اسما الله الحسنى
الثلاثاء أكتوبر 04, 2011 5:26 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة الأكارم ، مع درس من دروس أسماء الله الحسنى ( الملك ) ، وكلكم يعلم أن أسماء الله عز وجل على أنواع ، هناك اسم ذات ، وهناك اسم فعل ، وهناك اسم صفة ، فالملك اسم يدل على ذات الله والملك اسم يدل على فعله ،
قال تعالى في القرآن الكريم :
وقال تعالى :
المُلك مُلك الأجسام ، والملكوت مُلك النفوس ، فالله سبحانه وتعالى رب العالمين ، يربي أجسامنا ويربي نفوسنا ، يربي أجسامنا فيمدها بما تحتاج ، من طعام وشراب ، وهواء ، وما إلى ذلك ، ويربي النفوس حينما تنحرف عن منهجه ، يسوق لها من الشدائد ما يحملها على طاعته :
من مِن لوازم اسم ( الملِك ) :
1.نفاذُ أمرِه في مُلكِه :
أيها الإخوة ، ( الملك ) أمره نافذ في ملكه، قد يكون الإنسان مالكاً، وأمره ليس نافذاً في ملكه، أما ( الملك ) فأمْرُه نافذ في ملكه ،
قال الله تعالى في الحديث القدسي :
2.لا ملِك حقيقةً إلا الله :
أيها الإخوة ، العلماء يؤكدون أنه لا ملِك إلا الله حقيقية ، الذي يملك كل شيء خلقاً ، وتصرفاً ، ومصيراً، لكن هذا لا يمنع أن يسمى إنسان ملكاً،
قال تعالى :
أما ( الملِك ) الحقيقي فهو الله الذي يملك كل شيء .
بشرح مفصل : كل شيء يُملَك يملكه الله ، سمعُك بيده ، وبصرك بيده ، وقوتك بيده ، ومَن حولك بيده ، ومن فوقك بيده ، ومن تحتك بيده ، والتوفيق بيده ، والنصر بيده ، والحفظ بيده ، وحينما توقن أنه لا إله إلا الله ، وأنه ( الملك ) ، أمرُه نافذ في ملكه ، تتجه إليه وحده .
3.ملكه مطلق ، خلقاً ، تصرفاً ، ومصيراً
أيها الإخوة ، الله عز وجل ملكٌ مطلقاً ، يملك خلقاً ، وتصرفاً ، ومصيراً ، وأنت كإنسان قد تملك شيئاً ولا تنتفع به ، وقد تنتفع بشيء ولا تملكه ، وقد تنتفع وتملك ، لكن المصير ليس إليك ، لك بيت تملكه رقبة ، وتملك منفعته ، أي تسكنه ، لكن قد يأتي قرار تنظيمي للمدينة يؤخذ منك بأبخس الأثمان ، فقد تملك ولا تنتفع ، وقد تنتفع ولا تملك ، وقد تنتفع وتملك ، والمصير ليس إليك .
أما إذا قلنا : الله ( الملك ) يعني أن ملكه مطلق ، خلقاً ، تصرفاً ، ومصيراً .
4.استغناءه عن المخلوقات :
معنى ( الملك ) أنه يستغني في ذاته ، وصفاته ، وأفعاله عن كل موجود ، أما الإنسان فوجوده مرتبط بإمداد الله له ، ففي أية لحظة يقطع الله عنه الإمداد يموت ، فما هو الموت ؟ الموت انقطاع المدد الإلهي، وفي أي لحظة يفقد الإنسان حياته ، يكون شخصاً مهماً فيصبح خبراً ، يكون ذا هيبة وسلطان فيصبح قصة، فالله عز وجل ملِك حقيقي ، لأنه يستغني عن كل موجود ، ويحتاجه كل موجود ، ووجوده ذاتي.
مِن هنا كان هناك عبد القهر ، وجميع بني البشر عبيد لله عز وجل ، بمعنى أنهم في قبضة الله ، في أي لحظة تنتهي الحياة ، لأبسط الأسباب ، سكتة دماغية ، سكتة قلبية ، حادث طارئ ، فهم عبيدُ قهرٍ ، أما المؤمنون لأنهم عرفوا الله اختياراً ، وأطاعوه اختياراً ، وأحسنوا إلى خلقه اختياراً ، وأقبلوا عليه اختياراً فهم عباد ، جمع عبد الشكر ، وعبد القهر جمعه عبيد .
قال تعالى في القرآن الكريم :
وهناك عبد الشكر جمعه عباد .
قال تعالى في القرآن الكريم :
الفرق كبير بين أن تكون عبد قهر ، وبين أن تكون عبد شكر ، وإذا قال الله عز وجل :
هذه معية عامة ، أي معكم بعلمه ، أما إذا قال :
هذه معية خاصة، والمعية الخاصة تعني شيئاً كثيراً، تعني أن الله مع المؤمن بنصره، وتأييده، وحفظه، وتوفيقه .
5.بيده الخير المطلق:
قال تعالى في القرآن الكريم :
الآية ليس فيها : بيدك الخير والشر، ( بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) ، لذلك قالوا : الشر المطلق لا وجود له في الكون، لأنه يتناقض مع وجود الله ، هناك شر نسبي موظَّف للخير المطلق ، والدليل الآية :
إيتاء الملك خير ، وأحياناً نزعه خير ، إعزاز الإنسان خير ، وأحياناً إذلاله خير ، لكن علماء العقيدة يرون أنه لا ينبغي أن تقول : الله ضار ، مع أنه من أسمائه ، ينبغي أن تقول : هو الضار النافع ، لأنه يضر لينفع ، لا ينبغي أن تقول : الله خافض ، قل : الله خافض رافع ، لأنه يخفض ليرفع ، لا ينبغي أن تقول : الله مذل ، هو يذل ، قل : الله مذل معز ، يذل ليعز .
ورد في بعض الآثار :
قال تعالى في القرآن الكريم :
ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، وإذا كشف لك الحكمة المنع عاد المنع عين العطاء ، حينما تكشف الحقائق ، وحينما ينكشف سر القضاء والقدر يذوب المؤمن كالشمعة تماماً محبة لله عز وجل لِما ساقه له من شدائد ، ولولا هذه الشدائد لما كان كما هو .قطعة فحم بحجم البيضة ما قيمتها ؟ لا شيء ، وهناك قطعةٌ من الماس في قيمتها 150 مليون دولار ، بحجم البيضة ، لأن الماس أصله فحم ، من شدة الضغط والحرارة أصبح ماساً .
للتقريب : إذا كان هناك ضغوط ، ومعالجات إلهية دقيقة ، وشدة ، هذه تصقل الإنسان المؤمن ، واللهُ تعالى يتولى تربيته ، ويحاسبه ، فبطولتك أن تكون ضمن العناية المشددة ، ضمن المتابعة الإلهية ، ضمن التربية الإلهية ، فإذا أعطيتَ الدنيا وأنت على غير طاعة الله فهذا مؤشر خطير جداً ، معنى ذلك أن هذا الإنسان خارج العناية المشددة ، إن رأيت الله يتابعك ، ويحاسبك ، ويسوق لك بعض الشدائد عند بعض الأخطاء ، حينما تسرف ، يقلّ دخلك ، حينما تستعلي يأتي مَن يحجمك ، حينما ترى أن الله يتابعك فهذه نعمة كبرى ، هذا معنى قوله تعالى في القرآن الكريم :
مصائب المؤمنين مصائب دفع إلى الله ورفع ، ومصائب العصاة والفجار مصائب ردع وقصم ، أما مصائب الأنبياء فمصائب كشف ، لأنهم ينطوون على كمال لا يظهر إلا بالمصائب ،
فَعَنْ سَعْدٍ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟
قَالَ :
6.العلوُّ :
أيها الإخوة ، من لوازم الملك العلو .
قال تعالى في القرآن الكريم:
7.الاستواء :
ومن لوازم الملك الاستواء
قال تعالى في القرآن الكريم:
8.التمليك :
( الملك ) هو المالك والمملِّك ، فالله عز وجل ، يعطيك الصحة ، الصحة تُملك ، يعطيك القوة ، القوة تُملك .
هناك رجل من علماء الشام عاش 96 عاماً ، وهو في أتم صحته ، منتصب القامة ، حاد البصر ، مرهف السمع ، أسنانه في فمه ، فكان إذا سُل : يا سيدي ! ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟! يقول : يا بني ، حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقيناً عاش قوياً .
( الملِك ) هو المالك والمملِّك ، يملكك الصحة والقوة ، يعطي العقل والذكاء ، يعطي الجمال والوسامة، يعطيك زوجة ، يهبك أولاداً ، يهبك بيتاً ، مأوى تؤوي إليه ، يجعلك ممكَّناً في الأرض ، تتقن حرفة ، تتقن اختصاصاً ، تحمل شهادة ، فـ( الملك ) هو المالك والمملِّك .
• كيف وزع الله حظوظ الدنيا
أيها الإخوة ، هناك تساؤل ، المال حظ ، العلم حظ ، الذكاء حظ ، طلاقة اللسان حظ ، الوسامة حظ ، هذه الحظوظ كيف ووزعت في الدنيا ؟ قال بعض العلماء : الحظوظ وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء ، ما الذي أتاك الله إياه ؟ أتاك المال ؟ أنت ممتحن بالمال ، أتاك العلم ، أنت ممتحن بالعلم ، أتاك القوة ، أنت ممتحن بها ، ما الذي زوي عنك ؟ زوي عنك الغنى ، أنت ممتحن بالفقر ، زويت عنك القوة ، أنت ممتحن بالضعف ، زويت عنك الوسامة ، أنت ممتحن بها ، فأنت ممتحن في بندين ، فيما وهبك الله ، وفيما زوى عنك وهذا المعنى الدقيق يذكرنا بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام :
ما مِن رجبٍ من الناس إلا وآتاه الله حظوظاً ، وزوى عنه حظوظاً ، فأنت ممتحن فيما أتاك ، وممتحن فيما زوي عنك .
• أصدق فيما تطلب لتنال
أيها الإخوة ، لكن الإنسان مخير ،
قال تعالى :
لحكمة ما بعدها حكمة ، لرحمة ما بعدها رحمة ، لعلم ما بعده علم :
أي الدنيا .
يعني عجّلنا بالقدر الذي نشاء ، والإنسان الذي إن عجلنا له فيها كان هذا التعجيل حكمة في حقه :
الآن دققوا :
الآن كقانون ، كسنة من سنن الله عز وجل :
أنت مخير ، الشيء الذي تصدق في طلبه تناله ، ما أنت فيه صادق ، وما لست فيه ، تمنياتك ، الله عز وجل لا يتعامل أبداً مع التمنيات .
يتعامل مع الصدق ، أي شيء تطلبه من الله بصدق ، وتدفع ثمنه يؤتيك الله إياه ، قال بعض المفكرين : ” إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادة وإيمان ” ، اطلب ما تشاء من الله ، ولكن اطلب بصدق ، واطلب مع دفع الثمن :
لم يقل وسعى لها :
السعي الذي تستحقه .
( حَقَّ تُقَاتِهِ ) أن تطيعه فلا تعصيه ، أن تذكره فلا تنساه ، أن تشكره فلا تكفره .
إذاً الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء ، أنت ممتحن فيما أعطاك ، ممتحن فيما زوى عنك .
• حظوظ الدنيا لا تعني شيئاً :
حظوظ الدنيا موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء ، وهذا التوزيع مؤقت ، والتوزيع ينتهي بالموت ، وهذا التوزيع قد لا يعني أنك عند الله متفوق ، لأن الله يعطي الملك لمن يحب ، ولمن لا يحب ، أعطى الملك لفرعون ، وهو لا يحبه ، أعطى الملك لسليمان ، وهو يحبه ، أعطى المال لقارون ، وهو لا يحبه ، أعطى المال لعبد الرحمن بن عوف ، وهو يحبه ، فحظوظ الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ، ولا تعني شيئاً ، وقد تعني العكس :
الموت ينهي كل شيء ، لكن حظوظ الآخرة تعني كل شيء ، وهي أبدية سرمدية لذلك اكبر خسارة أن تخسر الآخرة .
حظوظ الدنيا موزعة توزيع ابتلاء ، هذه الحظوظ سوف توزع في الآخرة توزيع جزاء ، فقد يكون الإنسان غنيا والآخر فقيرا ، عاشا عمراً واحداً ، سبعين عاما ، الغني لم ينجح في امتحان الغنى ، فتاه على مَن حوله ، وأنفق ماله على لذاته وحظوظه ، وحرمه من الفقراء والمساكين ، والفقير نجح في امتحان الفقر ، فصبر وتجمل ، انتهت السبعون عاماً ، الذي نجح في امتحان الفقر في جنة إلى أبد الآبدين ، والذي لم ينجح في امتحان الغنى في نار جهنم ، وبئس المصير ، فالحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء .
• الأخذ بالأسباب بين الحقيقة الشرعية وأوهام الناس :
أيها الإخوة ، لحكمة بالغةٍ بالغة جعل الله لكل شيء سببا ، فالأسباب تفضي إلى النتائج ، ولكن لئلا نتوهم أن السبب وحده خالق النتيجة ، الله عز وجل من حين لآخر يعطل هذه الأسباب ، قد يجعلك قوياً وأنت ضعيف ، وغنياً وأنت فقير ، وقد يسلب الغنى من الغني فيغدو فقيراً ، وقد يسلب القوة من القوي فيغدو ضعيفاً ، من هنا يجب أن نعتقد أن خالق النتائج هو الله .
السيدة مريم أنجبت نبياً كريماً من دون زوج ، ألغي السبب ، وأحياناً شابان قويان في أوج نشاطهما لا ينجبان ، هناك سبب بغير نتيجة ، وهناك نتيجة بلا سبب ، لذلك لا تؤلّه الأسباب ، هنالك فئة من الناس أخذوا بالأسباب ، واعتمدوا عليها ، وألّهوها ، ونسوا الله ، وقد وقعوا في الشرك ، وفئة المقصرون لم يأخذوا بها إطلاقاً ، وقعوا في المعصية ، كلاهما على خطأ ، يجب أن تأخذ بالأسباب ، وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله ، وكأنها ليست بشيء ، هذا الموقف الدقيق ، والموقف الحكيم ، أن تأخذ بالأسباب ، وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله ، وكأنها ليست بشيء .
أيها الإخوة ، ماذا قال الله عز وجل مخاطباً نبيه ؟
بل قل لهم :
فإذا كنت :
فمن باب أولى أنني :
معنى ذلك أن الله هو الملِك ، هو الذي يُملِّك ، الملك مالك مملك ، الحظوظ الله عز وجل يملكك إياها، والحظوظ الله عز وجل يسلبها منك ، هو ( الملك ) .
علاقة المؤمن باسم ( الملِك ) :
1.المُلكُ الحقيقي أن تملك نفسك عند فورة الشهوة :
أيها الإخوة ، الله عز وجل يقول في القرآن الكريم :
ما هو المُلكَ الذي أتاه الله لسيدنا يوسف ؟ إن كان الملكُ المألوف أنه عزيز مصر فهناك ملوك في الأرض كُثر ، وهم أحياناً فجّار منحرفون طغاة ، فهل هذا هو العطاء الحقيقي ؟
العطاء الحقيقي أن تملك نفسك ، حينما دعته امرأة ذات منصب وجمال ، والعلماء أشاروا إلى عشرة أشياء ترغب هذا الشاب الوسيم بالفاحشة ، وقال :
هذا هو الملك ، أن تملك نفسك ، أن تملكها عند الغضب ، أن تملكها عند الشهوة ، أن تملكها عند المغريات ، ما كل إنسان يصمد أمام هذه الفتنة ، فالذي يملك نفسه ، ولا تملكه ، يملك هواه ولا يملكه ، الذي يملك أن يتصرف وفق منهج الله في الشدائد ، وفي الصعوبات هو الملِك .
أيها الإخوة ،الحياة فيها صوارف ، وفيها عقبات ، وهذه الصوارف والعقبات من أجل أن يرقى الإنسان عند الله ، فإذا استطعت أن تنجو من الصوارف إلى غير منهج الله وأنت تتجاوز العقبات التي وضعت على الطريق إلى الله ، فأنت بطل .
فلذلك :
أي آتيتني سيطرة على نفسي ، يقول أحد زعماء بريطانيا : ملكنا العالم ، ولم نملك أنفسنا ،
حتى إن أجمل كلمة تلخص الحضارة الإسلامية أنها سيطرة على الذات ، فحينما فتحت القدس من قِبل الفرنجة ذُبح 70 ألف إنسان في يومين ، أما حينما فتحها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله بعد ذلك لم يهرق قطرة دم ، بسبب السيطرة على الذات .
وأعظم شيء في المؤمن أنه منضبط ، مسيطر على ذاته ، هذا هو الملك الحقيقي ، أن تملك نفسك .
2.المؤمن همُّه كبير ، ورسالته نبيلة :
المؤمن يرى ما لا يراه الآخرون ، ويشعر بما لا يشعرون ، وهناك أقوياء وضعفاء في العالم ، وأغنياء وفقراء ، الضعفاء والفقراء مسحوقون ، لكن هناك موقف للنبي عليه الصلاة والسلام خلاف هذا
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
لا تكون إنساناً كامل الإنسانية إلا إذا شعرت بمن حولك ، هذا الذي يعيش لشهواته ، وحظوظه ، ولا ينتبه إلى البؤساء ، والفقراء ، والضعفاء ، هذا إنسان بعيد عن منهج الله عز وجل ، المؤمن يرى ما لا يراه الآخرون ، ويشعر بما لا يشعرون ، يتمتع بوعي عميق ، وإدراك دقيق ، وله قلب كبير ، هذا القلب يكبر ، ولا ترى كبره ، فيتضاءل أمامه كل كبير ، ويصغر ، ولا ترى صغره ، فيتعاظم عليه كل حقير .
صدقوا أيها الإخوة ، كلمة من القلب : المؤمن أكبر من أكبر مشكلة في الدنيا ، بينما غير المؤمن أصغر من أصغر مشكلة في الدنيا ، مشكلة طفيفة تسحقه ، تقلبه إلى يائس ، إلى محبط ، إلى مستسلم لمصيره ، أما المؤمن فأكبر من أكبر مشكلة تحيط به ، له قلب كبير ، وعزم متين ، همته عالية ، وإرادة صلبة ، هدفه أكبر من حاجاته ، هناك إنسان حاجته بيت ، حاجته زوجة ، حاجته دخل ، هذه كل أهدافه ، فإذا تزوج وكان له دخل ، وله بيت انتهت كل أهدافه ، يحس بالفراغ ، يحس بالتفاهة ، أما المؤمن فيحمل هم أمته ، أهدافه أكبر من حاجاته ، رسالته أسمى من رغباته .
فحينما يملك ، وحينما يمكَّن لك في الأرض يرتفع مقامك ، ومع ارتفاع مقامك تزداد فرص العمل الصالح ، القوة في ثلاث ، في المال ، وفي العلم ، وفي المنصب .
أحياناً إذا كنت في منصب رفيع بجرة قلم تحق حقاً ، وتبطل باطلاً ، تقرّ معروفاً ، وتزيل منكراً ، وإذا كنت عالماً قد يسعد الناس بعلمك ، وإذا كنت غنياً قد يسعد الناس بمالك ، فإذا مكنك في الأرض أعطاك القوة ، أو أعطاك المال ، أو أعطاك العلم ، عندئذٍ تزداد فرص العمل الصالح أمامك ، وعندئذٍ تزداد مسؤوليتك .
لذلك سيدنا عمر بن عبد العزيز دخلت عليه زوجته فاطمة بنت عبد الملك ، رأته يبكي في مصلاه ،
قالت له : ما لك تبكي ؟
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،
سأل والياً :
إخوتي الكرام ، هناك صفة في العالم اليوم ، أن الإنسان أصبح بلا هدف ، هدفه نفسه ، هدفه دخله ، هدفه شهواته ، هدفه حظوظه ، هدف كبير يسعى له ، والإنسان لا يتقدس إلا بهدف كبير ، لا يسعد إلا إذا كان له رسالة وهدف يحمله ، رسالته أثمن من رغباته ، يملك نفسه .
قال تعالى في القرآن الكريم:
3.لا ينبغي لعبد الملِك أن يتذلل لمخلوق :
أيها الإخوة ، الآن لا يليق بمن آمن بالله بأنه ملك أن يتذلل لمخلوق ، لا يليق بمن آمن بالله بأنه ملك أن يتضعضع أمام غني أو أمام قوي .
قال بعضهم : ما أجمل عطف الأغنياء على الفقراء ، هناك أجمل من هذا ، تيه الفقراء على الأغنياء، ثقة بما عند الله ، لذلك لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه .
أريد أن أصل معكم إلى التطبيقات العملية لإيمانك باسم ( الملك ) .
قال تعالى في القرآن الكريم:
فرعون وراء سيدنا موسى ، ومن آمن معه من بني إسرائيل شرذمة قليلة ، فرعون بقوته ، بجبروته، بحقده ، بأسلحته ، بفتكه ، ببطشه .
قال تعالى في القرآن الكريم:
إذا كنت مع ( الملك ) فأنت ملك ، إذا آمنت بالملك أنه مالك مملِّك ، لمجرد أن تتوهم أن أمرك بيد زيد أو عبيد ، أو بيد فلان أو علان ، سقطت في الشرك .
قال تعالى في القرآن الكريم:
الدين كله في التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، التوحيد ألا ترى مع الله أحد ، التوحيد أن توقن يقيناً قطعياً أن أمرك كله بيد الله ، وما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك .
قال تعالى في القرآن الكريم:
شأن صحتك ، خذ بالأسباب وتوكل على الله ، شأن أسرتك ، شأن زوجتك ، شأن أولادك ، شأن عملك، شأن رزقك ، شأن من حولك ، شأن من فوقك ، شأن مَن تحتك :
شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناءه عن الناس .
التقى خليفة من خلفاء بني أمية بعالم جليل في الحرم المكي ،
قال له : ” سلني حاجتك ،
قال : والله إني أستحي أن أسأل في بيت الله غير الله ، التقى به خارج الحرم ،
قال له : سلني حاجتك ،
قال له : والله ما سألتها مَن يملكها أفأسألها مَن لا يملكها ، فلما أصر عليه
قال له : أدخلني الجنة ،
قال له : هذه ليست لي ،
قال له : إذاً ليس لي عندك حاجة ” .
المؤمن عزيز ،
قال المنصور لأبي حنيفة : يا أبا حنيفة ، لو تغشَّيتنا ،
قال : ولمَ أتغشّاكم ؟ وليس لي عندكم شيء أخافكم عليه ، وهل يتغشّاكم إلا مَن خافكم على شيء .
المؤمن عزيز ، لذلك كن مَلكاً في الدنيا ، الله ملك مالك مملِّك ،
كن ملكاً في الدنيا تكن ملكاً في الآخرة ، قالوا : كيف ؟ قال : ازهد فيما بيد الناس تكن ملكاً .
إذا أردت أن تكون ملك في الدنيا ازهد بما أيدي الناس تكن ملكاً في الدنيا ، فإذا كنت ملكاً في الدنيا كنت ملكاً في الآخرة .
لذلك قالوا : احتجْ إلى الرجل تكن أسيره ، واستغنِ عنه تكن نظيره ، وأحسن إليه تكن أميره
فلا يليق بمؤمن آمن باسم الملك أن يتذلل لمخلوق .
ورودُ اسم ( الملِك ) في القرآن والسنة :
أيها الإخوة ، ورد هذا الاسم كثيراً في الكتاب والسنة ،
ففي القرآن الكريم في قوله تعالى :
أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ :
وفي صحيح مسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
لذلك :
ساعات الفجر ساعات مباركة ، ساعات الإجابة .
قال تعالى في القرآن الكريم:
خاتمة :
أيها الإخوة ، أسماء الله الحسنى لها تطبيقات ، إن آمنت بها إيماناً حقيقياً فلا بد من أن تنعكس على سلوكك عزة ، ورفعة ، واستقامة ، ورحمة ، وتواضعاً .
قال تعالى في القرآن الكريم:
تقرَّب إلى الله بخُلق مشتق من كمال الله ، الله رحيم فارحم مَن دونك ، الله ملك فكن ملكاً بأن تتعفف عما في أيدي الناس ، كن ملكاً في الدنيا تكن ملكاً في الآخرة .
والحمد الله رب العالمين
منقول عن: العقيدة الإسلامية : أسماء الله الحسنى : ( الملك ) ـ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
أيها الإخوة الأكارم ، مع درس من دروس أسماء الله الحسنى ( الملك ) ، وكلكم يعلم أن أسماء الله عز وجل على أنواع ، هناك اسم ذات ، وهناك اسم فعل ، وهناك اسم صفة ، فالملك اسم يدل على ذات الله والملك اسم يدل على فعله ،
قال تعالى في القرآن الكريم :
(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)
[سورة الملك]وقال تعالى :
(فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ)
[سورة يس الآية : 83]المُلك مُلك الأجسام ، والملكوت مُلك النفوس ، فالله سبحانه وتعالى رب العالمين ، يربي أجسامنا ويربي نفوسنا ، يربي أجسامنا فيمدها بما تحتاج ، من طعام وشراب ، وهواء ، وما إلى ذلك ، ويربي النفوس حينما تنحرف عن منهجه ، يسوق لها من الشدائد ما يحملها على طاعته :
(فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ)
(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)
(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)
من مِن لوازم اسم ( الملِك ) :
1.نفاذُ أمرِه في مُلكِه :
أيها الإخوة ، ( الملك ) أمره نافذ في ملكه، قد يكون الإنسان مالكاً، وأمره ليس نافذاً في ملكه، أما ( الملك ) فأمْرُه نافذ في ملكه ،
قال الله تعالى في الحديث القدسي :
(( أنا مالك الملوك ، وملك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، وإن العباد إذا أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة ، وإن العباد إذا عصوني حولت قلوبهم عليهم بالسخط والنقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك ، وادعوا لهم بالصلاح ، فإن صلاحهم بصلاحكم )) .
[أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء]2.لا ملِك حقيقةً إلا الله :
أيها الإخوة ، العلماء يؤكدون أنه لا ملِك إلا الله حقيقية ، الذي يملك كل شيء خلقاً ، وتصرفاً ، ومصيراً، لكن هذا لا يمنع أن يسمى إنسان ملكاً،
قال تعالى :
(وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً)
[سورة الكهف]أما ( الملِك ) الحقيقي فهو الله الذي يملك كل شيء .
بشرح مفصل : كل شيء يُملَك يملكه الله ، سمعُك بيده ، وبصرك بيده ، وقوتك بيده ، ومَن حولك بيده ، ومن فوقك بيده ، ومن تحتك بيده ، والتوفيق بيده ، والنصر بيده ، والحفظ بيده ، وحينما توقن أنه لا إله إلا الله ، وأنه ( الملك ) ، أمرُه نافذ في ملكه ، تتجه إليه وحده .
3.ملكه مطلق ، خلقاً ، تصرفاً ، ومصيراً
أيها الإخوة ، الله عز وجل ملكٌ مطلقاً ، يملك خلقاً ، وتصرفاً ، ومصيراً ، وأنت كإنسان قد تملك شيئاً ولا تنتفع به ، وقد تنتفع بشيء ولا تملكه ، وقد تنتفع وتملك ، لكن المصير ليس إليك ، لك بيت تملكه رقبة ، وتملك منفعته ، أي تسكنه ، لكن قد يأتي قرار تنظيمي للمدينة يؤخذ منك بأبخس الأثمان ، فقد تملك ولا تنتفع ، وقد تنتفع ولا تملك ، وقد تنتفع وتملك ، والمصير ليس إليك .
أما إذا قلنا : الله ( الملك ) يعني أن ملكه مطلق ، خلقاً ، تصرفاً ، ومصيراً .
4.استغناءه عن المخلوقات :
معنى ( الملك ) أنه يستغني في ذاته ، وصفاته ، وأفعاله عن كل موجود ، أما الإنسان فوجوده مرتبط بإمداد الله له ، ففي أية لحظة يقطع الله عنه الإمداد يموت ، فما هو الموت ؟ الموت انقطاع المدد الإلهي، وفي أي لحظة يفقد الإنسان حياته ، يكون شخصاً مهماً فيصبح خبراً ، يكون ذا هيبة وسلطان فيصبح قصة، فالله عز وجل ملِك حقيقي ، لأنه يستغني عن كل موجود ، ويحتاجه كل موجود ، ووجوده ذاتي.
مِن هنا كان هناك عبد القهر ، وجميع بني البشر عبيد لله عز وجل ، بمعنى أنهم في قبضة الله ، في أي لحظة تنتهي الحياة ، لأبسط الأسباب ، سكتة دماغية ، سكتة قلبية ، حادث طارئ ، فهم عبيدُ قهرٍ ، أما المؤمنون لأنهم عرفوا الله اختياراً ، وأطاعوه اختياراً ، وأحسنوا إلى خلقه اختياراً ، وأقبلوا عليه اختياراً فهم عباد ، جمع عبد الشكر ، وعبد القهر جمعه عبيد .
قال تعالى في القرآن الكريم :
(وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)
[سورة فصلت]وهناك عبد الشكر جمعه عباد .
قال تعالى في القرآن الكريم :
(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً)
[سورة الفرقان الآية : 63]الفرق كبير بين أن تكون عبد قهر ، وبين أن تكون عبد شكر ، وإذا قال الله عز وجل :
(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)
[سورة الحديد الآية : 4]هذه معية عامة ، أي معكم بعلمه ، أما إذا قال :
(وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)
[سورة الأنفال]هذه معية خاصة، والمعية الخاصة تعني شيئاً كثيراً، تعني أن الله مع المؤمن بنصره، وتأييده، وحفظه، وتوفيقه .
5.بيده الخير المطلق:
قال تعالى في القرآن الكريم :
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ)
[سورة آل عمران الآية : 26]الآية ليس فيها : بيدك الخير والشر، ( بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) ، لذلك قالوا : الشر المطلق لا وجود له في الكون، لأنه يتناقض مع وجود الله ، هناك شر نسبي موظَّف للخير المطلق ، والدليل الآية :
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
[سورة آل عمران الآية : 26]إيتاء الملك خير ، وأحياناً نزعه خير ، إعزاز الإنسان خير ، وأحياناً إذلاله خير ، لكن علماء العقيدة يرون أنه لا ينبغي أن تقول : الله ضار ، مع أنه من أسمائه ، ينبغي أن تقول : هو الضار النافع ، لأنه يضر لينفع ، لا ينبغي أن تقول : الله خافض ، قل : الله خافض رافع ، لأنه يخفض ليرفع ، لا ينبغي أن تقول : الله مذل ، هو يذل ، قل : الله مذل معز ، يذل ليعز .
ورد في بعض الآثار :
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي )) .
[ورد في الأثر]قال تعالى في القرآن الكريم :
(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)
[سورة الأعراف الآية : 180]ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، وإذا كشف لك الحكمة المنع عاد المنع عين العطاء ، حينما تكشف الحقائق ، وحينما ينكشف سر القضاء والقدر يذوب المؤمن كالشمعة تماماً محبة لله عز وجل لِما ساقه له من شدائد ، ولولا هذه الشدائد لما كان كما هو .قطعة فحم بحجم البيضة ما قيمتها ؟ لا شيء ، وهناك قطعةٌ من الماس في قيمتها 150 مليون دولار ، بحجم البيضة ، لأن الماس أصله فحم ، من شدة الضغط والحرارة أصبح ماساً .
للتقريب : إذا كان هناك ضغوط ، ومعالجات إلهية دقيقة ، وشدة ، هذه تصقل الإنسان المؤمن ، واللهُ تعالى يتولى تربيته ، ويحاسبه ، فبطولتك أن تكون ضمن العناية المشددة ، ضمن المتابعة الإلهية ، ضمن التربية الإلهية ، فإذا أعطيتَ الدنيا وأنت على غير طاعة الله فهذا مؤشر خطير جداً ، معنى ذلك أن هذا الإنسان خارج العناية المشددة ، إن رأيت الله يتابعك ، ويحاسبك ، ويسوق لك بعض الشدائد عند بعض الأخطاء ، حينما تسرف ، يقلّ دخلك ، حينما تستعلي يأتي مَن يحجمك ، حينما ترى أن الله يتابعك فهذه نعمة كبرى ، هذا معنى قوله تعالى في القرآن الكريم :
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
[سورة البقرة]مصائب المؤمنين مصائب دفع إلى الله ورفع ، ومصائب العصاة والفجار مصائب ردع وقصم ، أما مصائب الأنبياء فمصائب كشف ، لأنهم ينطوون على كمال لا يظهر إلا بالمصائب ،
فَعَنْ سَعْدٍ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟
قَالَ :
الْأَنْبِيَاءُ ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ
[أخرجه الحاكم عن سعد بن أبي وقاص]6.العلوُّ :
أيها الإخوة ، من لوازم الملك العلو .
قال تعالى في القرآن الكريم:
(فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ)
[سورة طه الآية : 114]7.الاستواء :
ومن لوازم الملك الاستواء
قال تعالى في القرآن الكريم:
(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)
[سورة طه]8.التمليك :
( الملك ) هو المالك والمملِّك ، فالله عز وجل ، يعطيك الصحة ، الصحة تُملك ، يعطيك القوة ، القوة تُملك .
هناك رجل من علماء الشام عاش 96 عاماً ، وهو في أتم صحته ، منتصب القامة ، حاد البصر ، مرهف السمع ، أسنانه في فمه ، فكان إذا سُل : يا سيدي ! ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟! يقول : يا بني ، حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقيناً عاش قوياً .
( الملِك ) هو المالك والمملِّك ، يملكك الصحة والقوة ، يعطي العقل والذكاء ، يعطي الجمال والوسامة، يعطيك زوجة ، يهبك أولاداً ، يهبك بيتاً ، مأوى تؤوي إليه ، يجعلك ممكَّناً في الأرض ، تتقن حرفة ، تتقن اختصاصاً ، تحمل شهادة ، فـ( الملك ) هو المالك والمملِّك .
• كيف وزع الله حظوظ الدنيا
أيها الإخوة ، هناك تساؤل ، المال حظ ، العلم حظ ، الذكاء حظ ، طلاقة اللسان حظ ، الوسامة حظ ، هذه الحظوظ كيف ووزعت في الدنيا ؟ قال بعض العلماء : الحظوظ وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء ، ما الذي أتاك الله إياه ؟ أتاك المال ؟ أنت ممتحن بالمال ، أتاك العلم ، أنت ممتحن بالعلم ، أتاك القوة ، أنت ممتحن بها ، ما الذي زوي عنك ؟ زوي عنك الغنى ، أنت ممتحن بالفقر ، زويت عنك القوة ، أنت ممتحن بالضعف ، زويت عنك الوسامة ، أنت ممتحن بها ، فأنت ممتحن في بندين ، فيما وهبك الله ، وفيما زوى عنك وهذا المعنى الدقيق يذكرنا بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام :
(( اللهم ما رزقتني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ قُوَّة لي فيما تُحِبُّ ، وما زَوَيْتَ عني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ فَرَاغا لي فيما تُحِبُّ )) .
[الترمذي عن عبد الله بن يزيد الخطمي]ما مِن رجبٍ من الناس إلا وآتاه الله حظوظاً ، وزوى عنه حظوظاً ، فأنت ممتحن فيما أتاك ، وممتحن فيما زوي عنك .
• أصدق فيما تطلب لتنال
أيها الإخوة ، لكن الإنسان مخير ،
قال تعالى :
(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ)
[سورة الإسراء الآية : 18]لحكمة ما بعدها حكمة ، لرحمة ما بعدها رحمة ، لعلم ما بعده علم :
(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ)
أي الدنيا .
(عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ)
يعني عجّلنا بالقدر الذي نشاء ، والإنسان الذي إن عجلنا له فيها كان هذا التعجيل حكمة في حقه :
(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ)
(ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً)
[سورة الإسراء](ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً)
الآن دققوا :
(وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً)
[سورة الإسراء الآية : 19]الآن كقانون ، كسنة من سنن الله عز وجل :
(كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً)
[سورة الإسراء]أنت مخير ، الشيء الذي تصدق في طلبه تناله ، ما أنت فيه صادق ، وما لست فيه ، تمنياتك ، الله عز وجل لا يتعامل أبداً مع التمنيات .
(لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ)
[سورة النساء الآية : 123]يتعامل مع الصدق ، أي شيء تطلبه من الله بصدق ، وتدفع ثمنه يؤتيك الله إياه ، قال بعض المفكرين : ” إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادة وإيمان ” ، اطلب ما تشاء من الله ، ولكن اطلب بصدق ، واطلب مع دفع الثمن :
(وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا)
لم يقل وسعى لها :
(وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا)
السعي الذي تستحقه .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)
[سورة آل عمران الآية : 102]( حَقَّ تُقَاتِهِ ) أن تطيعه فلا تعصيه ، أن تذكره فلا تنساه ، أن تشكره فلا تكفره .
إذاً الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء ، أنت ممتحن فيما أعطاك ، ممتحن فيما زوى عنك .
• حظوظ الدنيا لا تعني شيئاً :
حظوظ الدنيا موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء ، وهذا التوزيع مؤقت ، والتوزيع ينتهي بالموت ، وهذا التوزيع قد لا يعني أنك عند الله متفوق ، لأن الله يعطي الملك لمن يحب ، ولمن لا يحب ، أعطى الملك لفرعون ، وهو لا يحبه ، أعطى الملك لسليمان ، وهو يحبه ، أعطى المال لقارون ، وهو لا يحبه ، أعطى المال لعبد الرحمن بن عوف ، وهو يحبه ، فحظوظ الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ، ولا تعني شيئاً ، وقد تعني العكس :
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ)
[سورة الأنعام الآية : 44]الموت ينهي كل شيء ، لكن حظوظ الآخرة تعني كل شيء ، وهي أبدية سرمدية لذلك اكبر خسارة أن تخسر الآخرة .
(قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
[سورة الزمر الآية : 15]حظوظ الدنيا موزعة توزيع ابتلاء ، هذه الحظوظ سوف توزع في الآخرة توزيع جزاء ، فقد يكون الإنسان غنيا والآخر فقيرا ، عاشا عمراً واحداً ، سبعين عاما ، الغني لم ينجح في امتحان الغنى ، فتاه على مَن حوله ، وأنفق ماله على لذاته وحظوظه ، وحرمه من الفقراء والمساكين ، والفقير نجح في امتحان الفقر ، فصبر وتجمل ، انتهت السبعون عاماً ، الذي نجح في امتحان الفقر في جنة إلى أبد الآبدين ، والذي لم ينجح في امتحان الغنى في نار جهنم ، وبئس المصير ، فالحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء .
• الأخذ بالأسباب بين الحقيقة الشرعية وأوهام الناس :
أيها الإخوة ، لحكمة بالغةٍ بالغة جعل الله لكل شيء سببا ، فالأسباب تفضي إلى النتائج ، ولكن لئلا نتوهم أن السبب وحده خالق النتيجة ، الله عز وجل من حين لآخر يعطل هذه الأسباب ، قد يجعلك قوياً وأنت ضعيف ، وغنياً وأنت فقير ، وقد يسلب الغنى من الغني فيغدو فقيراً ، وقد يسلب القوة من القوي فيغدو ضعيفاً ، من هنا يجب أن نعتقد أن خالق النتائج هو الله .
السيدة مريم أنجبت نبياً كريماً من دون زوج ، ألغي السبب ، وأحياناً شابان قويان في أوج نشاطهما لا ينجبان ، هناك سبب بغير نتيجة ، وهناك نتيجة بلا سبب ، لذلك لا تؤلّه الأسباب ، هنالك فئة من الناس أخذوا بالأسباب ، واعتمدوا عليها ، وألّهوها ، ونسوا الله ، وقد وقعوا في الشرك ، وفئة المقصرون لم يأخذوا بها إطلاقاً ، وقعوا في المعصية ، كلاهما على خطأ ، يجب أن تأخذ بالأسباب ، وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله ، وكأنها ليست بشيء ، هذا الموقف الدقيق ، والموقف الحكيم ، أن تأخذ بالأسباب ، وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله ، وكأنها ليست بشيء .
أيها الإخوة ، ماذا قال الله عز وجل مخاطباً نبيه ؟
(قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً)
[سورة الجن]بل قل لهم :
(قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلَا نَفْعاً)
[سورة يونس الآية : 49]فإذا كنت :
(لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلَا نَفْعاً)
فمن باب أولى أنني :
(لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً)
معنى ذلك أن الله هو الملِك ، هو الذي يُملِّك ، الملك مالك مملك ، الحظوظ الله عز وجل يملكك إياها، والحظوظ الله عز وجل يسلبها منك ، هو ( الملك ) .
علاقة المؤمن باسم ( الملِك ) :
1.المُلكُ الحقيقي أن تملك نفسك عند فورة الشهوة :
أيها الإخوة ، الله عز وجل يقول في القرآن الكريم :
(رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)
[سورة يوسف]ما هو المُلكَ الذي أتاه الله لسيدنا يوسف ؟ إن كان الملكُ المألوف أنه عزيز مصر فهناك ملوك في الأرض كُثر ، وهم أحياناً فجّار منحرفون طغاة ، فهل هذا هو العطاء الحقيقي ؟
العطاء الحقيقي أن تملك نفسك ، حينما دعته امرأة ذات منصب وجمال ، والعلماء أشاروا إلى عشرة أشياء ترغب هذا الشاب الوسيم بالفاحشة ، وقال :
(مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)
[سورة يوسف الآية : 23]هذا هو الملك ، أن تملك نفسك ، أن تملكها عند الغضب ، أن تملكها عند الشهوة ، أن تملكها عند المغريات ، ما كل إنسان يصمد أمام هذه الفتنة ، فالذي يملك نفسه ، ولا تملكه ، يملك هواه ولا يملكه ، الذي يملك أن يتصرف وفق منهج الله في الشدائد ، وفي الصعوبات هو الملِك .
أيها الإخوة ،الحياة فيها صوارف ، وفيها عقبات ، وهذه الصوارف والعقبات من أجل أن يرقى الإنسان عند الله ، فإذا استطعت أن تنجو من الصوارف إلى غير منهج الله وأنت تتجاوز العقبات التي وضعت على الطريق إلى الله ، فأنت بطل .
فلذلك :
(رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ)
أي آتيتني سيطرة على نفسي ، يقول أحد زعماء بريطانيا : ملكنا العالم ، ولم نملك أنفسنا ،
حتى إن أجمل كلمة تلخص الحضارة الإسلامية أنها سيطرة على الذات ، فحينما فتحت القدس من قِبل الفرنجة ذُبح 70 ألف إنسان في يومين ، أما حينما فتحها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله بعد ذلك لم يهرق قطرة دم ، بسبب السيطرة على الذات .
وأعظم شيء في المؤمن أنه منضبط ، مسيطر على ذاته ، هذا هو الملك الحقيقي ، أن تملك نفسك .
2.المؤمن همُّه كبير ، ورسالته نبيلة :
المؤمن يرى ما لا يراه الآخرون ، ويشعر بما لا يشعرون ، وهناك أقوياء وضعفاء في العالم ، وأغنياء وفقراء ، الضعفاء والفقراء مسحوقون ، لكن هناك موقف للنبي عليه الصلاة والسلام خلاف هذا
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
(( أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ ، أَوْ شَابًّا ، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلَ عَنْهَا ، أَوْ عَنْهُ ، فَقَالُوا : مَاتَ ، قَالَ : أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي ؟ قَالَ : فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا ، أَوْ أَمْرَهُ ، فَقَالَ : دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ ، فَدَلُّوهُ ، فَصَلَّى عَلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ )) .
[متفق عليه]لا تكون إنساناً كامل الإنسانية إلا إذا شعرت بمن حولك ، هذا الذي يعيش لشهواته ، وحظوظه ، ولا ينتبه إلى البؤساء ، والفقراء ، والضعفاء ، هذا إنسان بعيد عن منهج الله عز وجل ، المؤمن يرى ما لا يراه الآخرون ، ويشعر بما لا يشعرون ، يتمتع بوعي عميق ، وإدراك دقيق ، وله قلب كبير ، هذا القلب يكبر ، ولا ترى كبره ، فيتضاءل أمامه كل كبير ، ويصغر ، ولا ترى صغره ، فيتعاظم عليه كل حقير .
صدقوا أيها الإخوة ، كلمة من القلب : المؤمن أكبر من أكبر مشكلة في الدنيا ، بينما غير المؤمن أصغر من أصغر مشكلة في الدنيا ، مشكلة طفيفة تسحقه ، تقلبه إلى يائس ، إلى محبط ، إلى مستسلم لمصيره ، أما المؤمن فأكبر من أكبر مشكلة تحيط به ، له قلب كبير ، وعزم متين ، همته عالية ، وإرادة صلبة ، هدفه أكبر من حاجاته ، هناك إنسان حاجته بيت ، حاجته زوجة ، حاجته دخل ، هذه كل أهدافه ، فإذا تزوج وكان له دخل ، وله بيت انتهت كل أهدافه ، يحس بالفراغ ، يحس بالتفاهة ، أما المؤمن فيحمل هم أمته ، أهدافه أكبر من حاجاته ، رسالته أسمى من رغباته .
فحينما يملك ، وحينما يمكَّن لك في الأرض يرتفع مقامك ، ومع ارتفاع مقامك تزداد فرص العمل الصالح ، القوة في ثلاث ، في المال ، وفي العلم ، وفي المنصب .
أحياناً إذا كنت في منصب رفيع بجرة قلم تحق حقاً ، وتبطل باطلاً ، تقرّ معروفاً ، وتزيل منكراً ، وإذا كنت عالماً قد يسعد الناس بعلمك ، وإذا كنت غنياً قد يسعد الناس بمالك ، فإذا مكنك في الأرض أعطاك القوة ، أو أعطاك المال ، أو أعطاك العلم ، عندئذٍ تزداد فرص العمل الصالح أمامك ، وعندئذٍ تزداد مسؤوليتك .
لذلك سيدنا عمر بن عبد العزيز دخلت عليه زوجته فاطمة بنت عبد الملك ، رأته يبكي في مصلاه ،
قالت له : ما لك تبكي ؟
قال : << دعينِي وشأني ، فلما ألحت عليه قال : ويحك يا فاطمة ، إني وليتُ أمرَ هذه الأمة ، فرأيت المريض الضائع ، والفقير الجائع ، والشيخ الكبير ، والأرملة الوحيدة ، وذا العيال الكثير ، والرزق القليل ، والأسير ، والمظلوم في أطراف البلاد ، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً ، وأن خصمي دونهم رسول الله ، فخفت ألا تثبت حجتي فلهذا أبكي >> .
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،
سأل والياً :
<< ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟
قال : أقطع يده ،
قال : فإن جاءني مِن رعيتك مَن هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسدّ جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفِّر لهم حرفتهم ، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية >> .
قال : أقطع يده ،
قال : فإن جاءني مِن رعيتك مَن هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسدّ جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفِّر لهم حرفتهم ، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية >> .
إخوتي الكرام ، هناك صفة في العالم اليوم ، أن الإنسان أصبح بلا هدف ، هدفه نفسه ، هدفه دخله ، هدفه شهواته ، هدفه حظوظه ، هدف كبير يسعى له ، والإنسان لا يتقدس إلا بهدف كبير ، لا يسعد إلا إذا كان له رسالة وهدف يحمله ، رسالته أثمن من رغباته ، يملك نفسه .
قال تعالى في القرآن الكريم:
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ)
(رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ)
(رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ)
3.لا ينبغي لعبد الملِك أن يتذلل لمخلوق :
أيها الإخوة ، الآن لا يليق بمن آمن بالله بأنه ملك أن يتذلل لمخلوق ، لا يليق بمن آمن بالله بأنه ملك أن يتضعضع أمام غني أو أمام قوي .
(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه )) .
[ورد في الأثر]قال بعضهم : ما أجمل عطف الأغنياء على الفقراء ، هناك أجمل من هذا ، تيه الفقراء على الأغنياء، ثقة بما عند الله ، لذلك لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه .
اجعل لربك كل عــزك يستقر ويثـبت
فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
أريد أن أصل معكم إلى التطبيقات العملية لإيمانك باسم ( الملك ) .
قال تعالى في القرآن الكريم:
(قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)
[سورة طه]فرعون وراء سيدنا موسى ، ومن آمن معه من بني إسرائيل شرذمة قليلة ، فرعون بقوته ، بجبروته، بحقده ، بأسلحته ، بفتكه ، ببطشه .
قال تعالى في القرآن الكريم:
(فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)
[سورة الشعراء]إذا كنت مع ( الملك ) فأنت ملك ، إذا آمنت بالملك أنه مالك مملِّك ، لمجرد أن تتوهم أن أمرك بيد زيد أو عبيد ، أو بيد فلان أو علان ، سقطت في الشرك .
قال تعالى في القرآن الكريم:
(فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
[سورة هود]الدين كله في التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، التوحيد ألا ترى مع الله أحد ، التوحيد أن توقن يقيناً قطعياً أن أمرك كله بيد الله ، وما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك .
قال تعالى في القرآن الكريم:
(وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ)
[سورة هود الآية : 123]شأن صحتك ، خذ بالأسباب وتوكل على الله ، شأن أسرتك ، شأن زوجتك ، شأن أولادك ، شأن عملك، شأن رزقك ، شأن من حولك ، شأن من فوقك ، شأن مَن تحتك :
(َإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ)
(فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
(فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناءه عن الناس .
التقى خليفة من خلفاء بني أمية بعالم جليل في الحرم المكي ،
قال له : ” سلني حاجتك ،
قال : والله إني أستحي أن أسأل في بيت الله غير الله ، التقى به خارج الحرم ،
قال له : سلني حاجتك ،
قال له : والله ما سألتها مَن يملكها أفأسألها مَن لا يملكها ، فلما أصر عليه
قال له : أدخلني الجنة ،
قال له : هذه ليست لي ،
قال له : إذاً ليس لي عندك حاجة ” .
المؤمن عزيز ،
قال المنصور لأبي حنيفة : يا أبا حنيفة ، لو تغشَّيتنا ،
قال : ولمَ أتغشّاكم ؟ وليس لي عندكم شيء أخافكم عليه ، وهل يتغشّاكم إلا مَن خافكم على شيء .
المؤمن عزيز ، لذلك كن مَلكاً في الدنيا ، الله ملك مالك مملِّك ،
كن ملكاً في الدنيا تكن ملكاً في الآخرة ، قالوا : كيف ؟ قال : ازهد فيما بيد الناس تكن ملكاً .
لا تسألن بنــيّ آدم حاجة***و سل الذي أبوابه لا تُحجَب
الله يغضب إن تركت سؤاله***وبنيّ آدم حين يُسألُ يغضب
الله يغضب إن تركت سؤاله***وبنيّ آدم حين يُسألُ يغضب
إذا أردت أن تكون ملك في الدنيا ازهد بما أيدي الناس تكن ملكاً في الدنيا ، فإذا كنت ملكاً في الدنيا كنت ملكاً في الآخرة .
لذلك قالوا : احتجْ إلى الرجل تكن أسيره ، واستغنِ عنه تكن نظيره ، وأحسن إليه تكن أميره
فلا يليق بمؤمن آمن باسم الملك أن يتذلل لمخلوق .
(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه )) .
ورودُ اسم ( الملِك ) في القرآن والسنة :
أيها الإخوة ، ورد هذا الاسم كثيراً في الكتاب والسنة ،
ففي القرآن الكريم في قوله تعالى :
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ)
[سورة الحشر الآية : 23]أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ :
(( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ ، وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، أَنْتَ رَبِّي ، وَأَنَا عَبْدُكَ … )) .
[مسلم وأبو داود و الترمذي والنسائي]وفي صحيح مسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( يَنْزِلُ الله تعالى إِلى السماءِ الدُّنيا كُلَّ لَيلةٍ حين يَمضي ثُلُثُ الليلِ الأولُ فيقول : أَنَا الملكُ ، أنا الملكُ ، مَنْ ذَا الذي يدعوني فأستجيب له )) .
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود و الترمذي ومالك عن أبي هريرة]لذلك :
(( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا )) .
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود و الترمذي ومالك عن أبي هريرة]ساعات الفجر ساعات مباركة ، ساعات الإجابة .
قال تعالى في القرآن الكريم:
(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً)
[سورة الإسراء]خاتمة :
أيها الإخوة ، أسماء الله الحسنى لها تطبيقات ، إن آمنت بها إيماناً حقيقياً فلا بد من أن تنعكس على سلوكك عزة ، ورفعة ، واستقامة ، ورحمة ، وتواضعاً .
قال تعالى في القرآن الكريم:
(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)
[سورة الأعراف الآية : 180]تقرَّب إلى الله بخُلق مشتق من كمال الله ، الله رحيم فارحم مَن دونك ، الله ملك فكن ملكاً بأن تتعفف عما في أيدي الناس ، كن ملكاً في الدنيا تكن ملكاً في الآخرة .
والحمد الله رب العالمين
منقول عن: العقيدة الإسلامية : أسماء الله الحسنى : ( الملك ) ـ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى